موقع مفكرة الإسلام .
قال حمدي: إن هؤلاء الأبناء لا ينفع معهم إلا الضرب.
فقال له أشرف مستنكرًا: وهل يُصلحهم فعلًا؟!
فأجابه: أنا أوافقك أنه أسلوب خاطئ، بل وأشعر بعدها بحزن شديد.
فقال أشرف: إذن فلا بد أن يكون هناك حل آخر لتقويم سلوكهم، أليس كذلك؟
أجابه حمدي في تأسف: حل آخر؟! إن هذا هو الحل الوحيد الذي يجعل الابن يكف عما يصنع.
قال أشرف مصححًا: يكف عما يصنع دائمًا أم مؤقتًا؟! إن الضرب حل مؤقت، وهو في نفس
الوقت يحمل مخاطر تربوية كثيرة؛ فهو يزلزل ثقة الابن بنفسه، ويجعل الأبناء سريعي
الغضب، وعدوانيين وانطوائيين في نفس الوقت.
عزيزي المربي:
إن كنت تريد أن تعلم هل أنت من مستخدمي العنف التربوي والتقريع الشديد مع أطفالك أم
لا، فأرجوك أجب عن هذه الأسئلة بأمانة وصدق:
1- هل تجد نفسك في جدل دائم مع أطفالك بخصوص سلوكهم؟
2- هل تستخدم تهديدات لن تنفذها أو لن تستطيع تنفيذها؟
3- هل تقول أشياء لطفلك تشعر بالندم عليها فيما بعد؟
4- هل تعيد نفس التعليمات والتوجيهات على مسامع أطفالك مرارًا وتكرارًا؟
5- هل تجد أن طفلك يتمادى في سلوكه السيئ كلما عاقبته؟
6- هل تلجأ للعقاب البدني لأنك تعتقد أنه لن يجدي معه أي شيء آخر؟
لو كانت إجابتك على معظم هذه الأسئلة بـ "نعم"، فاعلم أيها المربي أنك من المسرفين
في العقاب مع أبنائهم، والكثير من الآباء ذلك الرجل، فكثيرًا ما يُخطئ أبناؤنا،
وكثيرًا ما ننهال عليهم بالصراخ والتوبيخ والزجر إن لم يكن بالضرب؛ لظننا أنه لا حل
آخر إلا هذا.
لماذا ضربتَه؟!
أولًا ـ لأن الأمر يبدو وكأن العقاب يحرز تغييرًا فوريًا في السلوك؛ حيث يؤتي
بنتائج فعالة على المدى القريب، ففي المرات القليلة الأولى التي نصيح فيها في وجه
الأطفال نراهم يلتزمون الهدوء والصمت.
ثانيًا ـ عدم معرفة الآباء بديلًا آخر يمكن فعله في مثل هذه المواقف، فهم يشعرون
بالغضب والإحباط ويستجيبون لأقوال أو أفعال الأطفال بشكل تلقائي على ما يبدو، لذا
فإن الضرب والصياح والصفع تعتبر جميعها أنواعًا مألوفة وعادية حين يستجيب الآباء
عندئذ دون تفكير.
ثالثًا ـ وهو السبب الذي من المحتمل أن يكون جميع الآباء قد استشعروه في وقت أو آخر
فهو الخوف من ضياع سلطتهم على أبنائهم، فالآباء يتخوفون من أن يتجاوز الأطفال
حدودهم وتتحول إليهم دفة السيطرة والتحكم إذا لم يتسموا بقدر كاف من الصرامة والحزم
معهم.
رابعًا ـ أنه لم يكن هناك من يرشد الآباء إلى استخدام وسيلة أخرى؛ فقد تعلموا من
النماذج الوحيدة التي كانت أمامهم، حيث تعلموا من آبائهم، وليس هناك خطأ في هذا،
فقد تعلمنا جميعًا من آبائنا، ولكن إذا كان والدا الشخص قد استخدما العقاب غير
المناسب معه، فإنه على الأرجح سوف يستخدم نفس أنواع العقاب.
هذا ما جنت يداك:
أيها المربي الفاضل؛ اعلم أن العقاب غير المبرر؛ أي عقابك لابنك عقابًا شديدًا على
فعل بسيط، أو تعويدك لطفلك على التوبيخ والصراخ والضرب يؤثر في شخصيته كثيرًا، ومن
هذه الآثار:
أولًا ـ غالبًا سوف يستجيب أطفالك لذلك بمزيد من السلوكيات غير المحببة مثل الصراخ،
أو السباب أو الغمغمة والانصراف بعيدًا، فمن المحتمل أنهم لا يشعرون بارتيح حيال
العقاب الذي استخدمته، ولا أنت أيضًا!
ثانيًا ـ سوف يؤثر على طريقة تفكير الأطفال أنفسهم، فهم لا يشعرون بشعور جيد حيال
أنفسهم بعد تعرضهم للقمع أو الصياح في وجههم أو الضرب أو الصفع.
ثالثًا ـ قد يؤدي العقاب إلى فكرة الانتقام والثأر، إذ تتولد لدى الأطفال الرغبة في
الانتقام من الشخص الذي قام بعقابهم.
رابعًا ـ الإسراف فيه يدمر العلاقات بين الآباء وأطفالهم، فقد يرغب الأطفال في تجنب
آبائهم تمامًا.
خامسًا ـ قد يكون للعقاب تأثير متفاقم الخطورة فإن لم يؤت أحد أنواع العقاب ثماره،
يسعى الآباء عادة إلى استخدام عقابًا أكثر قسوة، وتتصاعد ردود أفعال الآباء من
مطالب أو أوامر، ثم إلى صياح ثم إلى ضرب وحينئذ تتحول الحياة إلى معركة مستمرة بين
الآباء والأبناء.
وما أروع ما قاله ابن خلدون في مقدمته عن الأشخاص الذين تعودوا على العقاب: (من كان
مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو الخدم، سطا به القهر وضيق على النفس في
انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعا إلى الكسل، وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير
ما في ضميره، خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك،
وصارت هذه له عادة وخلقًا، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن.
إن من يُعامل بالقهر يصبح حملًا على غيره، إذ هو يصبح عاجزًا عن الذود عن شرفه
وأسرته لخلوه من الحماسة والحمية).
والنبي - صلى الله عليه وسلم - حينما أمرنا بتعليم أولادنا الصلاة قال: ((علموا
أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعًا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرًا)) [صححه الألباني]،
فنحن نلاحظ من الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل ثلاثة سنين بشهورها
وأيامها لاستخدام جميع الوسائل الأخرى من تحفيز ومكافأة ومدح ثم بعد ذلك يكون الحل
الأخير وهو الضرب.
شاهد وتأمل:
هذان موقفان لرد الفعل غير المناسب وأدعوك أيها المربي الفاضل كي تتأمل فيهما وفي
الأثر الذي تتركه مثل هذه الأفعال في نفوس الأطفال:
الموقف الأول:
يعلب
محمد إحدى ألعاب الفيديو، وتامر لا يريد انتظار دوره؛ لذا سار إليه وقام بنزع مقبس
الجهاز، حينئذ يقوم محمد بضربه بمضرب كرة الطاولة، تسمع الأم ما يجري وتدخل الحجرة
وتقوم بحمله وهزه بعنف، وهي تقول له: (إياك أن تضرب أخاك)
تُرى، بم يشعر محمد الآن بعد أن عاقبته والدته بتوجيه اللوم والتوبيخ والصراخ؟! إنه
يشعر بالظلم؛ لأن أخاه هو الذي أخطأ، ويشعر بالإهانة، أضف إلى شعور تامر الصغير
بنجاح أسلوبه الملتوي مع أخيه، وأن هذا الموقف لم يفض النزاع بينهما بل هو مُسكن
موضعي لا يلبث إلا ويذهب أثره في موقف آخر، أرأيت عزيزي المربي كم أن العقاب السريع
هذا يضر أكثر مما ينفع، بل قل يُشعرك بالراحة والهدوء ولكن لم يحل شيئًا .
الموقف الثاني:
تقوم
سارة برسم صورة على حائط حجرة المعيشة بقلم شمع أحمر، وعندئذ تُري أمها الصورة التي
رسمتها وهي فخورة بعملها الفني الرائع وتسألها: ما رأيك يا أمي؟ هل أعجتك؟!)، فتقوم
الأم بصفعها وإرسالها إلى حجرتها لتمكث فيها مدة ساعة!
بالطبع ستشعر سارة بحيرة شديدة؛ فهي لا تعلم أن ما فعلته يعتبر في قاموس الحياة
جريمة تستحق مثل هذا العقاب، أضف إلى حذرها الزائد الذي ستتسم به بعد ذلك، بل لا
أبالغ إن قلت أنها ستتجنب والدتها؛ لأنها لا تعلم ما الذي يرضيها وما الذي يجلب لها
العقاب، ألا تتفق معي؟!
هكذا تكون المعاملة:
قد تقول أيها الوالد: (فماذا تريدني أن أفعل في هذه المواقف؟ هل أصمت وأتجاهل الأمر
كله؟!)
فأجيبك أن لا، ولكن إن أردت أن تعلم كيف يكون التعامل الصحيح فانظر إلى هذين
الموقفين:
الموقف الأول: دخلت يارة وصديقتها مريم إلى غرفة المعيشة، وأخذتا تتحدثان عن الفتاة
الجديدة التي وفدت إلى المدرسة، في هذه الأثناء استرقت والدة يارة السمع وسمعت يارة
وهي تقول لصديقتها إنهما لا يجب أن يلعبا مع هذه الفتاة الجديدة بعد الآن لأنها لا
ترتدي ملابس أنيقة
فطلبت الأم من الفتاتين الجلوس، وتحدثت معهما عن أنه لا يجب أن تكون الملابس
مقياسًا للحكم على شعور الشخص تجاه شخص آخر، وأكدت على أن ما يهم هو ما بداخل
الإنسان وليس مظهره الخارجي؛ وفي النهاية اتفقت الفتاتان على دعوة الفتاة الجديدة
للعب بعد انتهاء اليوم الدراسي.
الموقف الثاني: دخلت ابنتك الصغيرة المطبخ لتقوم بإعداد الطعام كما تفعل أمها،
فأحدثت فوضى رهيبة في المطبخ فماذا عساك أن تفعل؟!
قل لها: (إنني سعيد جدًا لأنه جاء الوقت الذي تستطيعين فيه إعداد طعامك بنفسك يا
حبيبتي، ولكنك أحدثت في المطبخ الكثير من الفوضى، ومع ذلك فإني على ثقة أنك قادرة
على أن تكوني أفضل من ذلك في المرات القادمة، رجائي أن تقومي بترتيب هذه الفوضى
وإذا أردت المساعدة فناديني).
في الموقفين السابقين عزيزي القارئ تعلم الطفل أن سلوكه هذا سيء، وأن عليه أن
يتجنبه المرة القادمة لأنك لم تضعه في قفص الاتهام ليقف موقف المدافع عن خطئه، بل
علمته الصواب بهدوء وثقة فاستجاب واقتنع، والأكثر أهمية أنه غير سلوكه السيء لا
رهبة وخوفًا من العصا، بل لأنه اقتنع بالسلوك الصحيح.
العواقب لا العقاب:
يجب أن تدرك أيها المربي أن هناك اختلافًا بين إيقاع العقاب وإيقاع العواقب:
الفارق الأول: أن العواقب تعلم الطفل ما تريده أنت أن يتعلم، ولكن نادرًا مايفعل
العقاب ذلك، فمثلًا لو طلبت من طفلك تنظيم غرفته فلم يقم بذلك، ومن ثم عاقبته أنت
بحرمانه من اللعب بالكمبيوتر، هذا العقاب لا يساعده على تعلم تنظيف الغرفة، إنه فقط
يضايقه بشدة.
وعلى العكس من ذلك أن تجعل العاقبة هي أن يقوم الطفل بتنظيفها أثناء مراقبتك له، ثم
تعود الغرفة إلى عدم الترتيب ويقوم هو بتسويتها مرة أخرى، فهذه العاقبة تعلمه ماذا
تريده أن يفعل؟
الفارق الثاني: الطريقة التي يُقدم بها كل منهما، فالعقاب ينطلق دائمًا أثناء ظهور
الغضب، وغالبًا ما تصبح غاضبًا بسبب مشاحنات ابنك أو إحراجه لك فيكون العقاب الذي
يظهر في نوبة من الغضب تنقل انفعالاتك.
إن إظهار الغضب أمر غير جيد؛ لأنه قد يدفع الابن إلى العناد، بل بعض الأطفال
يعتبرونه لونًا من ألوان السيطرة؛ لأنك دعوته إلى الصراع معك، وليس إلى تعلم الدرس
والاستفادة من الخطأ.
ومثال ذلك؛ حينما لا يقوم ابنك "أحمد" بترتيب حجرته مثلًا لأنه يلعب على الكمبيوتر،
فيرفض تنظيف الحجرة ويتشنج؛ ومن ثم تغضب أنت بشدة وتقوم بتوبيخه وضربه؛ ثم يرجع
أحمد إلى اللعب مرة أخرى ولا ينظف حجرته لأن أسلوب التشنج والاستثارة قد أجدى معه.
أما بأسلوب العواقب، فتقول له: (أحمد، نظف حجرتك في خلال ربع الساعة، وإلا لن تذهب
اليوم إلى النادي مع أصدقائك، والأمر بيديك أنت)، فهذا هو أسلوب العواقب بلا غضب
ولا انتهار، وإياك من نسيان الحزم في تطبيق هذه العواقب.
عزيزي المربي، هذا عن العقاب بين الفائدة والضرر، والترشيد والإسراف، وقد تتساءل
الآن أيها الحبيب: (إذن ما الذي أفعله مع ابني إذا أخطأ؟!)، وأقول لك أيها المربي
الفاضل أن إجابة هذا السؤال سنتناولها سويًا بإذن الله - تعالى -في المقالة
القادمة، فإلى لقاء إن شاء الله.
المراجع:
______________
تربية الأطفال بالفطرة السليمة، د. راي بيرك، رون هيرون.
اللمسة الإنسانية، د. محمد محمد بدري.
مقدمة ابن خلدون.
حاول أن تروضني، راي ليفي.
المصدر: شبكة الوادي نت